01‏/07‏/2009

هل النوع الإنساني عاقل؟ هل هو عاقل حقا؟


هل النوع الإنساني عاقل؟ هل هو عاقل حقا؟

أزعم أني قارئ جيد للتاريخ , يعجبني أيضا أن اقرأ في سير الرجال وتراجمهم وكنت قد اقتنيت العديد من الكتب في هذين البابين لكلفي بهما وشغفي بما يحتويان من سير وأخبار , وإني كنت قد لحظت أمرا في ما اقرأ عن تاريخ الأمم وسير صانعيها , لقد بحثت في خصائص الرجال وما يحظيان به من ملكات نفسانية ومواهب فطرية قادتهم لصنع التاريخ أو التأثير بمساره (أأكد على إيماني العميق بدور البطل في صناعة التاريخ , لا كما يقول الأحبة الماركسيون من أن الصراع الطبقي هو المحرك الوحيد للتاريخ وإن كنت لا أغفل دور الطبقة في التاريخ) أقول أني قد لحظت أمرا في هذا الباب يجب الاهتمام به وبحث أسراره ( ولا أقول أسبابه) بحثا جادا منضبطا , وجدنا في الكتب التي بينا أيدينا أن عشرات إن لم يكن مئات الرجال عرفوا بالسخاء والجود ( حد السفه أحيانا) ووجدنا الشعراء الذين عجِبت لشعرهم ومعانيه الإنسانية , والرجال الشجعان بل الفدائيون في تاريخ العرب وغيرهم كثر , ولكن ماذا عن أهل العقل والرأي ؟

إن الرجل السخي يكون عظيما كحاتم الطائي و عثمان بن عفان , مؤثرا على نفسه ليكرم ضيفه فلا يرده جائعا او ظمأنا , وإن في هذا معنى إنساني كريم , وإن هذا الموقف لجديرا حقا بالتبجيل والإكرام لمتخذه خلقا له يدأب عليه.

والرجل الشجاع يقود الأمم ويغزو الشعوب ويصل بأمته مجدا يجاوز النجوم والأفلاك السابحات في الفضاء كـ الفوهرر هتلر و نابليون بونابرت , إذا فالرجل الشجاع عظيمٌ كذلك .

ولكن الأسخياء والشجعان كثر في التاريخ حد الغرق بأسمائهم.

أعود فأقول ماذا عن أهل الرأي والحكمة والأنة والحلم , أتحدث عن أناس بلغت بهم رجاحة عقلهم حدا يشبه الكمال والعصمة , فلا تبصرهم مشاطون ولا مغالون , ولا تراهم زائغين

لقد بحثت عنهم في التاريخ وهالني أني لم أجدهم ..؟

إنهم في قلتهم بلغو حدا يشبه العدم , كأن لم يكونوا

فمن وجدنا منهم .؟

الإمام علي بن أبي طالب
الأحنف بن قيس
الإمام الشافعي

أولئك ذوو شرف يشبه الضياء في سموه , من له فلذة من شرفهم ..؟ فشرفهم كالمصباح تستمد منه المصابيح , رأيهم هو رأيهم وبهاؤهم بهاؤهم.

وإن من ذكرت هم أعلى من أعرف شأوا , ومع هذا فإني أصر على أن موضع كهذا لا يكون أبدا موضع حصر عظماء العقول وأرباب الحكمة والفهم .

يقول أمير الشعراء :

إن الشجاعة في القلوب كثيرة *** ووجدت شجعان العقول قليلا

نعم يا شوقي "قليلا" .

إنك ترى أحد الرجال يتمثل ملء شدقيه قول الشافعي رضي الله عنه

يخاطبني السفيه بكل قبح ......

ولو أقبل ساعتها مجنون يسير في الطرقات عُريانا ويلحقه الأطفال بالحجارة وسبه , لأزبد غضبا ولرأيت الزبد يصب من شفتيه صبا كبعير أعياه الجري وسار في المجالس ستة أشهر يلعن المجنون ونسله وسلالته إلى نبي الله آدم.

فما أن يكون على المحك الحقيقي حتى يتبين لك أنه هو السفيه

فإذا بك ترى الذي كان يتمثل أبيات الحلم والحكمة قبل ثوان قد صيره غضبه كتلة من السفه نبتت لها أطراف فهي تدب في الأرض

إنه من شدة ضيقه بسفهه ترى السفه يفيض من جنباته حين يسير في الطرقات

فأين قوله حينها :

يخاطبني السفيه بكل قبح *** فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما *** كعود زاده الإحراق طيبا

ما رأيت العوام يتمثلون أبيات شعرا كهذه الأبيات , وما رأيتهم أكثر مخالفة لمعنى من المعاني كمخالفتهم لمعنى قول الإمام في شعره المجيد هذا .

وإن في هذا نقص من العقل خطير

إنك ترى الرجل فتكبره , فإن سمعت منطقه او فعله , علمت أن نقص العقل في الجنس البشري " صفة جينية سائدة لا متنحية"

, آه كم كنت ساذجا في طور طفولتي يوم أن كنت أظن أن هؤلاء السائرون في الشوارع والقاضون في الأسواق والمعلمون والمتعلمون و الحاكمين والمحكومون من العقلاء , وان سليبي العقل هم فقط نزيلي مستشفيات الصحة النفسية وذوو الأمراض العقلية .

علمت الآن أن أهل الأمراض العقلية هم أعقل أهل الأرض اليوم .

وإني أرجو أن تروني قريبا في مستشفى المجانين أهنئ هناك بالأنة والحكمة مع أعقل من عليها.



يوم الأحد 29/5/1430

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق